ص16 ـ 17 |
هناك مصطلحات تشيع في بعض الكتابات بمعنى
الأدب الرقمي Digital Literature، منها: الأدب الإلكتروني Electronic Literature، والأدب الترابطي Connection Literature، الأدب التفاعلـي Interactive Literature، والأدب الافتراضي Virtual Literature، فهل هذه المصطلحات شيء واحد، يتفق
الدارسون على معانيها، في الشرق والغرب؟ وما سر هيمنة مصطلح "الأدب
الرقمي" على غيره من المصطلحات؟ هذا ما سيتناوله المقال، من الوجهة النقدية
المتعالقة مع تقنية المعلومات.
الأدب الرقمي
تُوصف
النصوص التي تنتمي إلى الأدب، وتُعرض للقارئ عبر أحد الوسائط الإلكترونية، بصورة
لا تختلف عما يمكن أن يقدمه الورق بأنها رقمية، ويمتد الوصف إلى الكتب التي
حُوِّلت إلى صيغة (PDF)، فيطلق على المجموعة منها
المكتبة الرقمية أو المكتبة الإلكترونية. وتنحدر هذه التسمية من طبيعة
البرمجة في زمن البدايات حيث كانت باستخدام النظام الثنائي الرقمي (01) أو بصياغة
ثانية: الزائف (0) والحقيقي (1) أو بصياغة أخيرة: الفراغ والكتابة، والتي تطورت
إلى النشر الفوري على الإنترنت إلى (02)، كما هو الحال في مواقع التواصل الاجتماعي.
وبهذا المعنى، فإن الأدب الرقمي يرادف الأدب الإلكتروني، ولا فارق بين معنيهما.
إن القصائد التي تقدمها المواقع
المختصة بالأدب على الإنترنت، وكأنها مكتوبة على الورق، هي قصائد رقمية، والقصائد
التي نستمع إليها في المواقع المتخصصة بالفيديو لشاعر ما، هي قصائد رقمية (سمعية)؛
لأنها تُقرأ من الورق، ولا تُضيف، عبر الفيديو أو شريط الاستماع، معنى يُذكر إلا
إنْ تدخَّل الملقي في تلوين الصوت لإبراز المعنى، وهذا التدخل، أيضًا، لا يُخرجها
من نطاق الرقمية.
الأدب الترابطي
لقد أتاح النقر على الرابط المتشعب Hyperlink
الانتقال من نص إلى آخر، وعادة ما يكون هذا الرابط، إنْ كان كتابيًّـا، يتخذ اللون
الأزرق للاستدلال على وجوده، وتُسمى العملية بمجملها النص المتشعب Hypertext؛ أي النص الذي تشعب إلى نص آخر. ولا
يُشترط أن يكون هذا النص مادة مكتوبة فقط، بل يمكن أن يكون صورًا أو مقاطع فيديو
أو غير ذلك من الوسائط. وهكذا، يُطلق "الأدب الترابطي" على النص الأدبي
الذي يتشعب إلى نص أو نصوص أخرى، تقتضيها إستراتيجية القراءة، كما هو الحال في
القصص القصيرة للكاتب محمد اشويكة، في مجموعتيه "محطات"
و"احتمالات". وإذا ذهبنا مع فاطمة البريكي (الكتابة والتكنولوجيا، 2008،
ص141 ـ 147) في أن الترابط يدل على التقييد، والتشعُّب يدل على التفرق، اعتمادًا
على المعنى المعجمي، فهل يمكن أن نطلق على هذا النمط من الأدب مسمى "الأدب
التشعبي"؟ لقد نقلت إلينا عبير سلامة (موقع ميدل إيست أونلاين، 21 ديسمبر
2005) هذا المصطلح فعلاً، حينما تحدثت عن مواقف النقاد من "الظهيرة،
قصة" للروائي مايكل جويس 1996.
ولكن ما
يُشار إليه، هنا، أن الأدب الترابطي يحيل من نص مكتوب إلى نص مكتوب آخر، لا تتوافر
فيه حتى الصورة الثابتة، وهو ما فعله اشويكه في مجموعتيه القصصيتين، فكان النص
المتشعب، يبدو مقيدًا بالكلمة وحدها. أما إذا كان النص المتشعب متحررًا منها،
لتبدو واحدة من عناصر متعددة، كالصورة والفيديو وغيرهما، فإن مصطلح "الأدب
التشعبي" على الرغم من قلة استخدامه لدى النقاد والدارسين، يمكن أن يكون
مناسبًا للدلالة على طبيعة العمل.
ص18-19 |
الأدب
التفاعلي
صاحبت
نشأة هذا المصطلح فكرة اشتراك أكثر من كاتب في إنتاج النص، أو إعطاء مساحة للقارئ
يسهم فيها ببناء النص. ولا يُسمى الأدب تفاعليًّـا، حتى لو كان مكتوبًا بالصورة
السابقة على الورق، ما لم يكن الوسيط الناقل لهذا الأدب إلكترونيًّـا، سواء كان
باستخدام البرامج الجاهزة على الحاسوب، أو بالكتابة مباشرة على الإنترنت. وبدخول
عصر الوسائط المتعددة، بات ما سبق الحديث عنه، الآن، أحد أشكال الأدب التفاعلي،
والتي منها: الرواية
التفاعلية التي تشترك الكلمة فيها مع الوسائط المتعددة في تشكيل المعنى، والأدب
السمعي البصري الذي يُقدم عبر الفيديو بتسمية Digital
poem، كما هو
الحال في قصائد الشاعر الأمريكي م دي
نورمان M.D.Norman، وقصائد الشاعر المغربي منعم
الأزرق على "اليوتيوب" YouTube،
وهذا ما
يجعل المحك الرئيس في تمييز الأدب التفاعلي من الأدب الرقمي هو استحالة تحول
المحتوى إلى الورق. إن مجموعة الشاعر مشتاق عباس معن "تباريح رقمية لسيرة
بعضها أزرق"، على سبيل المثال، تنتمي إلى الأدب التفاعلي، على الرغم من عدم
ترك مساحة للقارئ ليكتب فيها؛ لأنه استخدم النص المتشعب حيث حضرت في بنيتها عناصر
متضافرة في تشكيل المعنى، منها: الكلمة، والصورة، والصوت، واللون، والحركة، بحيث
يستحيل أن يتحول العمل إلى الورق.
ولهذا، نشأ في السنوات الأخيرة،
في قطاع التعليم بخاصة، ما يسمى "الكتاب التفاعلي" Interactive
Book، وهو
يختلف اختلافًا كليًّـا عن الإلكتروني أو الرقمي الذي جرى تحويله إلى صيغة (PDF)،
كما سبقت الإشارة. وتقوم فكرته على تضافر العناصر السابقة، إضافة إلى الفيديو،
وميزة الكتابة في المساحات المحددة لها، وإمكانية وضع الشروحات والتوضيحات بما
يضفي على القراءة متعة وحيوية وتحرر من الإمكانات المحدودة في الكتاب الورقي. وهذه
العناصر المضفاة، أخرجت الكتاب عن اقتصاره على الكلمة، وفي أحسن الأحوال: عن
الكلمة والصورة الثابتة، إلى أفق أرحب يستحيل أن ينهض به الورق. ونشأ في قطاع
التعليم، أيضًا، ما يُسمى "السبورة التفاعلية" Interactive
Board، وعلى الرغم من وجود مصطلحات أخرى تنافسها، مثل: السبورة الذكية،
فإن اتصالها بالإنترنت، ليتحول إلى شاشة حاسوب كبيرة، إضافة إلى ميزات أخرى، مثل:
الكتابة الإلكترونية، وتصويبها، ومحوها، يعني أنها تؤدي وظائف يستحيل أن يؤديها
الورق أو ما يقترب منه؛ لينهض بحمل الكلمة المكتوبة وحدها.
الأدب الافتراضي
إن الأدب، بحكم كونه إبداعًا، يتوسل
بالكلمة للولوج إلى الخيال، ذو طبيعة افتراضية؛ أي لا تتصل بالواقع إلا لتفارقه،
ولو ظلَّت فيه لتحول النص إلى وثيقة تاريخية، تسقط عنه السمات المختصة بالإبداع.
وقد حاول أن يعبر عن هذا الاتصال والانفصال معًا في الأعمال الإبداعية التي تدخل
الوسائط المتعددة في بنائها، في الغرب: مايكل هايم Michael Heim
(كتاب: فلسفة الواقع الافتراضي،1998)، وفي الشرق: محمد سناجلة (كتاب:
رواية الواقعية الافتراضية، 2004)، بمصطلح "الواقع الافتراضي" Virtual
Reality. والحقيقة أن المصطلحات ليست جامدة، وطرحها في الفترات المبكرة
لدخول الإنترنت في تشكيل الحراك الثقافي، لا يعني أنها لن تتعرض للإزاحة والتعديل؛
فالتطورات المتسارعة في عالم التكنولوجيا، جعلت الأدب الافتراضي يُطلق على ما
يتشكل في وسط افتراضي يستخدم التكنولوجيا، كما هو الحال في الأدب الموجود في مواقع
التواصل الاجتماعي حيث المجتمعات الافتراضية. وتأسيسًا على هذا، فإن روايات
"ظلال الواحد"، و"شات"، و"صقيع" لمحمد سناجلة هي
ضمن معنى "الرواية التفاعلية"، وليست ضمن معنى "الواقعية
الافتراضية". وما يُكتب من أدب في مواقع التواصل الاجتماعي هو ضمن
"الأدب الافتراضي"؛ لأن منتج النص ينحدر من هذه المجتمعات، وكذلك قارئ
النص.
ما يمكن تأكيده في النهاية، أن
ما يشيع على ألسنة الناس بمعنى الأدب الرقمي، والأدب الإلكتروني، هما شيء واحد، هذا من ناحية أولى، ولكن
الأدب الترابطي، والأدب التفاعلـي، والأدب الافتراضي، مصطلحات مختلفة، ولا يمكن
استخدامها مترادفة، هذا من ناحية ثانية. وأما هيمنة مصطلح "الأدب
الرقمي" على غيره من المصطلحات، فقد لا يعني عدم اتضاح معناه لدى المبدعين أو
النقاد، بل يعود إلى الأسبقية في الظهور، والتصاقه بالبرمجة، حتى وإن تطورت من
(01) إلى (02)؛ فإنها تبقى رقمية.